الحمدُ للهِ الَّذِي رفَعَ قدْرَ المتواضعِينَ وأَعْلَى شأنَهُمم، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ الْقَائِلُ عزَّ مِنْ قائلٍ
وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) وأشهدُ أنَّ سيدَنَا محمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ وصفيُّهُ مِنْ خلقِهِ وحبيبُهُ القائِلُ-صلى الله عليه وسلم-:« يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: مَنْ تَوَاضَعَ لِي رَفَعْتُهُ» اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ.
أ فإنِّي أُوصيكُمْ وإيَّايَ بتقوَى اللهِ عزَّ وجلَّ وطاعتِهِ، قَالَ تعالَى
وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ).
أ إنَّ التَّواضعَ خُلُقُ النبيينَ والمؤمنينَ, وسمةٌ الصالحينَ, فهُوَ يزيدُ الشَّريفَ شرفاً، ويرفعُ لصاحبِهِ ذِكْراً وقدْراً، مَنْ تخلَّقَ بهِ رفعَهُ اللهُ ومَنْ تمسَّكَ بهِ سعدَ, قَالَ سبحانَهُ
تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)
والتواضعُ صفةٌ حميدةٌ تؤلِّفُ بينَ قلوبِ الناسِ، وتزيدُ المحبةَ والمودةَ بينَهُمْ, وتنشرُ الإخاءَ والصَّفاءَ، وهُوَ مطلوبٌ مِنَ المسلمِ فِي كلِّ أحوالِهِ وفِي كلِّ شؤونِهِ, مَعَ كلِّ الناسِ مِنَ المسلمينَ وغيرِ المسلمينَ، كبيرِهِمْ وصغيرِهِمْ وغنيِّهِمْ وفقيرِِهِمْ، فالنَّاسُ كلُّهُمْ سواسيةٌ لاَ فرقَ بيْنَ عربِيٍّ وأعجمِيٍّ ولاَ بينَ أبيضَ ولاَ أسودَ إلاَّ بالتَّقْوَى والعملِ الصَّالِحِ، قَالَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-:« إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَىَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلاَ يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ» فمَنْ أرادَ الرفعةَ عندَ اللهِ وعندَ الناسِ فعليهِ بالتواضعِ وحُسنِ الخلقِ فهُمَا السبيلُ إلَى ذلكَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا ، وَمَا
تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ ».
وقالَ سيدُنا أبُو بكرٍ الصِّدِّيقُ رضيَ اللهُ عنهُ: وجدْنَا الْكَرَمَ فِي التَّقْوَى، والْغِنَى فِي اليقينِ، وَالشَّرَفَ فِي التَّوَاضُعِ.
عبادَ اللهِ: مَا من منَّا أَحدٍ إلاَّ ويحبُّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ويرجُو أنْ يحظَى بقربِهِ، وأَنْ يُحْشَرَ معَهُ، فمَنْ أرادَ ذلكَ فليتأسَّ بأخلاقِهِ -صلى الله عليه وسلم- يقولُ -صلى الله عليه وسلم-:« إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا، الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ » أيْ أنَّ أخلاقَهُمْ لَيِّنَةٌ ومعاشرتَهُمْ حسنَةٌ.
وقدْ أمرَ اللهُ عزَّ وجلَّ نبيَّهُ الكريمَ محمَّداً -صلى الله عليه وسلم- بمعاملَةِ أصحابِهِ جميعاً بالتَّواضعِ واللِّينِ وخفضِ الجناحِ لَهُمْ فقالَ تعالَى
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)
وكانَ -صلى الله عليه وسلم- يَأْتِي ضُعَفَاءَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَزُورُهُمْ وَيَعُودُ مَرْضَاهُمْ، وَيَشْهَدُ جَنَائِزَهُمْ .
ومِنْ تواضعِهِ -صلى الله عليه وسلم- أنَّهُ كانَ يَزُورُ الصحابةَ، وَيُسَلِّمُ عَلَى صِبْيَانِهِمْ، وَيَمْسَحُ بِرُءُوسِهِمْ. وهكذَا كانَ -صلى الله عليه وسلم- أكثرَ النَّاسِ تواضُعاً يتمثَّلُ قولَ ربِّهِ عزَّ وجلَّ
وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)
وَقَالَ سيدُنا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضيَ اللهُ عنهُ- كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ.
وقدْ أَثْنَى اللهُ سبحانَهُ وتعالَى علَى مَنِ اتَّصَفَ بالتواضعِ فقالَ عزَّ وجلَّ: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا ).
اللهمَّ زيِّنَّا بالتواضعِ، وجمِّلْنَا بالأخلاقِ، وأكرمْنَا بالتَّقوَى برحمَتِكَ يَا أرحمَ الرَّاحمينَ.
ا